تأملات : (( اسلامية – ليبرالية – يسارية )) ... ( و ليه أيدلوجية؟ )
فجأة وجدنا أنفسنا وسط تلال من المصطلحات المكلكعة التى لا تنير طريقا و لا تضيف إلا مزيدا من الألغاز و فى النهاية لا ندرى "احنا عايزين ايه بالظبط ؟ " ، يأخذ الكثير منا الحماسة و يردد نريدها إسلامية و أنا كمسلم محافظ كما أعتقد في نفسي قد أميل بشدة إلى ذلك التيار و لكن أجد نفسي أمام معضلات يضعها أصحاب التيار الاسلامى أمام عقلي فلا أستطيع أن أسير ورائهم ، لن أتكلم عن عدم تطور الخطاب الدينى و عدم القدرة على الاجتهاد الفقهى لدى بعضهم مما يساير الحداثة و لكن أنا أتكلم بشكل واضح عن الاتجاه السياسى و لنذكر دائما أن التيار الاسلامى السياسى غير الدين الاسلامى ، أجد نفسى أمام معضلتين أساسيتين هما الحرية و مفهوم الاقتصاد لديهم ، بالنسبة لمشكلة الحريات فأنا أتكلم أن مشكلة الإسلاميين ككل أنهم يؤمنون بصياغة محددة لكل الأمور يصبح كل ما عداها مخالف لهواهم " الذى يؤمنون بمرجعيته الدينية و هنا نتكلم عن الاجتهادات المختلفة و اختلاف العلماء عندما يكون رحمة و بالتالى يفتح الباب أمام الاجتهاد فى الدين و ليست الرؤية الواحدة التى يقدمها بعضهم" و أضيف إلى ذلك تعاملهم مع كل من يختلف معهم بنظرة دونية و أنه لا يعلم و لا يدرى ، الأمر الآخر هو مفهوم الاقتصاد فلم يقدم أى تيار منهم حسب درايتى أى مفهوم متكامل للاقتصاد كما يريدونه فقط مبادئ عامة عن تحريم الربا فى المعاملات البنكية و عن الأحكام الشرعية للتعاملات التجارية ، و لكن لم يقدم أحدهم مشروع واضح يضمن العدالة الاجتماعية و لنذكر جميعا أن الثورة شارك فيها الكثيرون بشكل أساسي بسبب عدم وجود عدالة اجتماعية و ليس بسبب الفساد السياسى و لا تقييد الحريات و لا لإقامة الشريعة و لكن بشكل أساسي لغياب العدالة الاجتماعية فى توزيع الثروة ، و أعتقد أن معظمهم بشكل عام سوف يسير مع سيطرة رجال الأعمال و المال على الثروة مع وجود بعض الإصلاحات و لكن لن يقدموا مشروع اقتصادي مختلف ، و لنعد للتاريخ لنجد أنه حتى فى عهد الخلافة الراشدة فى عهد عثمان بن عفان رضى الله عنه عندما ترك الأمر لأصحاب المال زادت الفجوة بين الفقراء و الأغنياء و زاد الفقراء حتى أنه ظهر الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري ليطالب بما نسميه العدالة الاجتماعية بينما فى عهد الفاروق عمر رضى الله عنه كان يضع القيود على الثراء بما يضمن عدم استئثار الولاة و أصحاب السلطة بالثروة و ساعده على ذلك الميل الى التقشف و الزهد الذى ساد العصور الأولى من الخلافة الراشدة ، و بدون دخول فى تفاصيل عديدة فالأمر ببساطة أن التيار الاسلامى السياسى الموجود حاليا على الساحة لا يقدم مشروع اقتصادى اسلامى جديد يكون بديلا و يقدم حلا لعدالة توزيع الثورة .
هل معنى كلامى هذا أننى أنتقد التيار الاسلامى لحساب التيارات السياسية الأخرى ، بالعكس فالأيدلوجيات الأخرى لديها أوجه قصور أخرى ، الليبرالية تضع أمامى حلا لمعضلة الحريات و أنا هنا أتكلم بشكل واضح عن ضمان الحريات التى تسمح بوجود معارضة للحاكم و تضمن عدم استبداده و الحرية المسئولة المقيدة بقيود المجتمع و الدين و لا أتكلم عن حرية الانفلات أو الابتذال كما يروج الاسلاميون لمفهوم الليبرالية فالليبرالية يمكنها أن ترتدى ثوب مجتمعنا لتضمن الحرية فى التعبير و الاعتراض بينما التيار الاسلامى سوف يقدم الاستبداد بشكل مختلف و هو الاستبداد باسم الدين فأى معارضة له ستكون معارضة للفكر الدينى كما يتم الترويج لذلك ، و لكن تظل الليبرالية بمفهومها الاقتصادى تنادى بحرية السوق و بالتالى تحكم الرأسمالية البشع فى المجتمعات و هو ما نرى آثاره فى العالم ككل حينما يتحول العالم كله الى سوق يتحكم فيه أصحاب المال و الثروات لصالحهم الشخصى .
هنا يأتى التيار اليسارى ليقدم الصورة التى قد تبدو أنها حلا للمشكلة الاقتصادية و لكنى لا أميل كثيرا للشكل المتطرف من اليسار الذى لا يؤمن بتمايز البعض و حقه فى تكوين ثروته الخاصة كما أنه يقع فى فخ أنه يضع تصوراته فى اطار مادى بحت و لا يضع فى حساباته خصوصية مجتمعاتنا الاسلامية و أيضا وقعت الدول الشيوعية فى فخ تقييد الحريات بحيث أنها قتلت الديمقراطية فانتهت حينما مارست الدولة استبدادها .
لا أدعى المامى بالكثير عن خصوصيات كل أيدلوجية فما هى سوى معلومات سطحية عن كل ايدلوجية و لكن فى إحدى مقالات لكاتب أحترمه "معتز عبد الفتاح " قرأت كلمة "ما بعد الأيدلوجيات" ، بالفعل نحن نحتاج إلى تيار مختلف يمكنه أخذ الأفضل من كل تيار و دمجه فى اطار مختلف ، نحتاج للخصوصية الاسلامية و المرجعية الاسلامية التى نركن لها ، نحتاج لضمانات الحريات بما يمنع الاستبداد لا أن نستبدل استبداد العسكر باستبداد الاسلاميين ، نحتاج إلى مشروع اقتصادى مختلف يضمن عدم تفاوت الثروات و يضمن العدالة الاجتماعية و فى نفس الوقت يفتح الباب أمام الاستثمار و الربح ، قرأت قديما كتاب اسمه الاقتصاد فى الاسلام يقدم فكرة عامة عن اشتراكية اسلامية و ربما نحتاج بالفعل الى اقتصادى يقدم لنا نموذج اقتصادى متفرد و لكن يقينى أن هذا الاقتصادى لا يمكن أن تفرزه أى من الايدلوجيات المتواجدة حاليا .
ما أراه حاليا من مولد " الانتخابات " يجعلنى متأكدا أن أحدهم لا يؤمن بالديمقراطية و لا أى تيار منهم و إنما كل منهم يستعملها مطيته الخاصة للوصول الى السلطة .
و أخيرا و أعتقد أن التوقيت الراهن يفرض علينا أجندة واحدة يجب أن يتبناها الجميع مهما كانت أيدلوجيته أو رؤيته الخاصة ألا و هى أن نتحد لرحيل العسكر ، الوقت الراهن يفرض على الجميع أن يكونوا يدا واحدة لتسليم البلاد الى سلطة مدنية منتخبة يمكن محاسبتها بعدها لنرى إلى أين ستسير البلاد ؟
محمد محمود مقبل
القاهرة 13-11- 2011
((( يوم 18-11- 2011 موعدنا للمطالبة بتسليم البلاد الى سلطة مدنية فى تاريخ محدد ... جمعة المطلب الواحد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق